مسجد العسقلاني: عراقة التاريخ وروحانية المكان

في قلب مدينة عدن يقف مسجد العسقلاني شامخًا كأحد أبرز معالمها التاريخية والدينية ويعود اسم المسجد إلى الإمام الحافظ أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر شهاب الدين العسقلاني الشافعي الذي ولد عام 773 هـ وتوفي في مصر عام 852 هـ وعرف الإمام العسقلاني بعلمه الغزير ومكانته المرموقة في الفقه والحديث ففي عام 606 هـ زار عدن وأقام فيها ستة أشهر حيث تبادل العلوم والمعارف مع علمائها، مما ترك بصمة روحية وعلمية عميقة في المدينة.
– بداية بناء المسجد وترميماته التاريخية:
تاريخ بناء المسجد يعود إلى نحو 600 عام مما يجعله شاهدًا على حقب تاريخية متعددة وقام الشيخ علي بن عبد الله اليافعي الذي كان إمام المسجد بترميمه وتوسعته في العقد الثالث من القرن الثالث عشر الهجري (القرن التاسع عشر الميلادي)، وذلك لمواكبة الحاجة إلى استقبال أعداد أكبر من المصلين.
وفي عام 1369 هـ، خضع المسجد لعملية إعادة بناء شاملة بقيادة الشيخين الجليلين محمد سالم البيحاني وسعيد بن أحمد عمر بازرعة وهذه الترميمات تمت بأسلوب حديث يواكب الطراز المعماري المعاصر آنذاك وأشرف على التنفيذ المقاول الحاج محمد عثمان ثابت وبلغت التكلفة الإجمالية لإعادة البناء 482 ألف روبية وهي تكلفة كبيرة في ذلك الوقت.
– جهود المجتمع في إعادة البناء:
لإنجاز مشروع إعادة بناء المسجد تشكلت هيئة خاصة لجمع التبرعات بقيادة الشيخ محمد سالم البيحاني والشيخ عبدالكريم حسن علي بمساعدة الشيخ سعيد أحمد عمر بازرعة وإخوانه وتم وضع الأموال المجمعة في البنك الهندي الأهلي بعدن لضمان الشفافية والتنظيم وكانت هذه الجهود انعكاسًا للتعاون والتكاتف بين أهالي عدن والوجهاء المحليين.
– افتتاح المسجد واحتفالية كبرى:
بعد اكتمال عملية البناء أصبح مسجد العسقلاني من أجمل وأفخم المساجد في جنوب الجزيرة العربية واحتفالاً بهذا الإنجاز أقام الشيخ محمد سالم البيحاني الذي كان إمامًا وخطيبًا للمسجد حفلاً مهيبًا بعد صلاة المغرب واستمر حتى بعد صلاة العشاء وحضر الحفل عدد كبير من الوجهاء والأعيان والشباب وألقى فيه نخبة من العلماء والخطباء كلمات بهذه المناسبة ومنهم الشيخ كامل عبدالله صلاح والسيد مطهر الغرباني بالإضافة إلى الأساتذة علي طرمح ورشيد حريري وعبدالله محمد أحمد حاتم.
– المسجد في العصر الحديث:
بعد إعادة البناء أصبح مسجد العسقلاني مركزًا دينيًا وعلميًا بارزًا في عدن حيث ارتبط اسمه أيضًا بالشيخ محمد سالم البيحاني الذي عُرف بأنه أحد أعلام العلم والدعوة في المدينة وظل البيحاني يلقي دروسه وخطب الجمعة في المسجد مما جعله رمزًا دينيًا وتاريخيًا ارتبط بعراقة عدن وروحانيتها.
لا يزال مسجد العسقلاني يحتفظ بمكانته كمعلم بارز في عدن يجسد عراقة التاريخ الإسلامي وروح التكاتف المجتمعي الذي أسهم في بنائه عبر العصور.