المجلس التشريعي العدني
عند قُدومك إلى مدينة كريتر أو عدن القديمة، سَتَجد أول محطة تصلها هي طريق الملكة أروى الصليحية والذي يُعد اقدم وأطول طريق في مدينة كريتر ،بِمُحاذات هذا الشارع وعلى تل جبلي صغير يُسمّى تل النقش ، بُنيت كنيسة سانت ماري ، قبل أكثر من مئة وخمسون عام، وتم افتتاحها رسمياً عام 1871 للميلاد.
خصصت كنيسة سانت ماري للطائفة المسيحية البروتستنتية التي كانت تسكن عدن ، حيث كانت الكنيسة تتسع ل(350 مصلي) وقد كانت تُقام فيها الصلوات كل يوم احد من كل أسبوع وقد عينت السلطات البريطانية المطران دوجلاس أول قسيس للكنيسة بعد افتتاحها.
كان بناء الكنيسة على الطراز الفكتوري والتي تميزت به مباني عدن، فلازالت الأحجار الشمسانية متشابكة فيما بينها يربطها مع بعضها البعض خلطة البوميس، ولايزال جرس الكنيسة يداعب الرياح العاتيه، السقف الثلاثي الشكل هو الآخر يضيف للمكان رونق خاص، النوافذ المستطيلة المنتشرة حول الكنيسة تسمح بدخول أشعة الشمس من كل الاتجاهات مُضيئة بذلك أركان المبنى العتيق مُكونه بذلك لوحة فنية تجذب أنظار كل من زار المبنى،بل وتنسيك تعب صعود الدرج المؤدي للكنيسة خاصة ان المكان يسمح لك بالنظر والتأمل في كل أرجاء المدينة.
بعد الشكوى التي تقدم بها أهالي عدن للسلطات البريطانية واحتجاجهم على موقع الكنيسة المرتفع على مساجد عدن، قامت السلطات البريطانية بتحويل الكنيسة الى مقر للمجلس التشريعي عام 1947 مما اكسبه رمزية سياسية نتيجة اتخاذه مقر يدار من خلاله شؤون البلاد وتُسن فيه القوانين من قبل اعضائه المنتخبين من قبل الشعب آنذاك، ومما زاد من رمزيته السياسية هو إقرار المجلس لبعض القوانين المحلية كقانون البلديات وقانون التعليم وقانون الخدمة المدنية، بل ولجوء السلطات البريطانية للمجلس لأجل المصادقه على قرار تفجير باب عقبة عدن لتوسيع طريق العقبه الأمر الذي خلق استياء شعبي واسع لدى سكان عدن حتى يومنا هذا، كون القرار يعتبر أسوأ قرار اتخذه المجلس التشريعي طيلة فترة انعقاده الممتدة لعشرين سنة.
يُعد المجلس التشريعي واحد من أهم معالم مدينة عدن، ليس لكونه يُعتبر أول مجلس تشريعي في الجزيرة العربية وحسب، بل لأنه مثّل صورة مشرقة للتعايش بين أبناء مدينة عدن ومناقشة أوضاع المدينة وجوانب القصور في العمل الإداري في جميع مرافق الدولة، فقد كان يتكون المجلس من ثمانية أعضاء يمثلون طوائف عدن المختلفة، حيث كانت كل طائفة تنتخب ممثلها في المجلس، وكان أول مجلس منتخب يتكون من: المستر تايلر، والخان بهادر محمد عبد القادر مكاوي، والخان بهادر محمد سالم علي البكري ، والسيد عبده غانم ، والمستر دانشا خورجي، والشيخ محمد عبد الله المحامي، وجودا مناحيم يهودا والمستر كارتن، وظل المجلس يُمارس مهامه التشريعية حتى عام 1966 من القرن الماضي.
بعد الإستقلال وإعلان قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1967 للميلاد، لم تعد تمارس السلطات التشريعية مهامها في المجلس التشريعي، بينما سُمح لسكان المدينة بزيارته كمعلم من معالم مدينة عدن، إلا أنه بدأ يفقد رمزيته في السنوات الماضية، عندما بدأت العشوائيات تزحف حول حرم المجلس التشريعي رويداً رويداً، حرب الفان وخمسة عشر شكلة انتكاسة حقيقية للمجلس فقد انهمرت عليه القذائف من كل حذب وصوب وتهشمت نوافذه وتضرر سقفه وظل المجلس التشريعي ينتظر من يعيد له رمزيته التاريخية طيلة السنوات التي تلت الحرب.
لإعادة الحياة للمجلس التشريعي في مدينة عدن عَمَدت فرقة خليج عدن إلى إعادة المجلس كمركز ثقافي كما كان عليه قبل عام 2015 وذلك بإختيارها للمجلس التشريعي مكان لعرض عملها المسرحي المتمثل بمسرحية(هاملت) والتي تُعتبر أشهر مسرحية في التاريخ، ولأن وضع المجلس التشريعي لايسمح بعرض مسرحي بهذا الحجم، عمدت إدارة فرقت خليج عدن على البحث عن مصدر لتمويل إعادة تأهيل المجلس،الأمر الذي تكلل بالنجاح وتم تأهيل المجلس جزئياً نهاية عام 2022 بدعم من المركز الثقافي البريطاني وإشراف وتنفيذ الهيئة العامة للآثار والمتاحف وهيئة الحفاظ على المدن التاريخية وتعاون من قبل السلطة المحلية بالمديرية، مما خلق انطلاقة للتحفيز نحو ترميم المجلس التشريعي ترميما كاملاً وكذا بقية الآثار في العاصمة عدن.